أطفال اليمن .. معاناة لا تتوقف وحرمان لا يُطاق “أطفال في سن الأربعين”
سبأ بوست |تحقيق | عبدالسلام المساجدي.
بالتوازي مع فشل الحل العسكري واخفاقات الأمم المتحدة في حسم الصراع المحتدم الذي تشهده اليمن منذ نحو 7 سنوات أفضت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني وانهيار المنظومة الصحية والتعليمة في البلاد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد إعداد النازحين بصورة غير مسبوقة .
يتصدر أطفال اليمن قائمة ضحايا هذه الأزمة المروعة باعتبارهم الحلقة الأضعف في كل الحروب والصراعات التي تشهدها البلاد حيث سجل المنحنى الديمغرافي لسكان اليمن ارتفاع لافت ومخيف في عدد الأطفال الذين اجبرتهم ظروف الحرب على ترك تعليمهم والاتجاه إلى سوق العمل .

إذ تُتشير أخر الإحصائيات الرسمية رغم عدم دقتها أن الحرب دفعت بأكثر من 400.الف طفل للخروج من المدارس بشكل مباشر واجبرتهم على العمل في سن مبكره بأعمار تتراوح ما بين 5 و17 عاماً مشيرةً إلى أن العدد في ارتفاع متواصل في حين لايزال النزاع في اليمن في تصاعد مستمر، وتسبب في نزوح أكثر من 4 ملايين شخص يتواجدون في أكثر من 1500 مخيم عشوائي وهم بحاجة إلى دعم عاجل للبقاء على قيد الحياة.
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وجود 11.3 مليون طفل في اليمن هم بحاجة إلى الحصول على شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية الأمر الذي يثير، بحسبها، حالة من الطوارئ تستوجب تحركاً دولياً للمساعدة في حين تزداد حدة الفقر في هذه البلد المنكوب من حين لأخر.

كما تشير أحدث البيانات المتوفرة لدى منظمة اليونيسيف أن حوالي نصف سكان اليمن كانوا في العام 2014 يعيشون تحت خط الفقر. أما في الوقت الراهن فتشير التقديرات أن معدلات الفقر على الصعيد الوطني ارتفعت إلى حوالي 80 في المائة. ومن بين كل 10 أطفال يعيش أكثر من 8 أطفال لدى أسر ليس لديها دخل ٍ كاف لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

في ضوء ذلك، قالت منظمة سياج لحماية الطفولة وهي (منظمة محلية) إن عمالة الأطفال في اليمن تزايدت خلال فترة الحرب بنسب قد تتجاوز أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام 2014، مؤكدة أنها نسبة مخيفة، وتفرز كوارث اقتصادية وأمنية في الحاضر والمستقبل القريب.
وتوقعت المنظمة زيادة هذه النسب، لأسباب عديدة، في مقدمتها الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن، نتيجة الحرب وتوقف دفع رواتب المعلمين وموظفي الدولة، وانهيار أو إغلاق الكثير من المؤسسات الاقتصادية خاصة مؤسسات الدخل الصغير والمتوسط إضافة إلى أوضاع الفقر وتدني مستوى الوعي بخطورة العمل المبكر للأطفال
“مُعاذ” .. لم يجد له من المعاناة ملاذ.
معاذ ابن الثالثة عشر ربيعاً يعمل كمساعد مع أحد اقرباء والدته في أعمال الحفر والردم والبناء ورش أعمدة الخرسانة الاسمنتيه وحمل الأحجار ومواد البناء ليعود آخر الليل وهو يحمل بجيبيه من النقود ما يسد بالكاد رمق أسرته المكونة من اربعة إشقاء وام ووالده الذي زجت به الحرب إلى أرصفة البطالة بعد أن توقف راتبه عن الصرف منذ ما يقارب 35 شهرا إزاء قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن .
لم يكن” مُعاذ “على دراية بأن الحرب ستسلب منه طفولته الآمنة وتحرمه من حقه في التعليم إلا عندما وجد نفسه مجبراً على ترك مقعدة الدراسي لخوض غمار تحدي جديد مع الذات في مهمة الصراع من أجل البقاء والبحث عن فرصة عمل وهو في هذه السن المبكرة كواحد من بين آلاف الأطفال اليمنيين الذين تكتظ بهم شوارع وأحياء العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية ..

يقول ” مُعاذ ” إن تدهور الاوضاع المعيشية لإسرته نتيجة توقف مصدر دخلهم الوحيد المتمثل براتب والده الذي كان يعمل جنديا في قوات الأمن ، وحاجة والدته التي تشكو من بعض الأمراض المزمنة للدواء وغيرها من الظروف القاهرة التي أجبرته على العمل في هذا النوع من الاعمال الشاقة رغم
“محمد” ليس الطفل الوحيد في اليمن الذي اضطر للتضحية بتعليمه الدراسي من اجل اعالة اسرته بل أن حالته تمثل امتداد لمئات الآلف من الأطفال الذين تأثر تعليمهم بسبب النزاع الوحشي المستمر لسنوات ويتعرضون لشتى أنواع الحرمان و الاستغلال والعنف الجسدي والنفسي في الآونة الأخيرة نتيجة تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) أما قصته فتروي الشيء اليسير من حجم المعاناة التي يتعرض لها أطفال اليمن خلال سنوات الحرب الماضية.

وتبدي منظمة اليونيسيف قلق متزايد من أن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أو الذين تسربوا من مدارسهم من اجل العمل في الآونة الأخيرة قد لا يعودون للدراسة اطلاقًا إذا لم يتم دعمهم بشكل صحيح.
ناشطون وحقوقيون حذروا من ارتفاع نسبة عمالة الأطفال باليمن نتيجة استمرار الحرب وتصاعد عمليات النزوح الداخلي من المناطق الساخنة وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار إزاء إنهيار العملة المحلية مع استمرار توقف صرف مرتبات موظفي الدولة وانعدام الغذاء والدواء .. مؤكدين أن مستقبل الأطفال في خطر لاضطرارهم إلى ترك تغليمهم ومغادرة مدارسهم في سن مبكرة.