وسيطات السلام في اليمن “.. حراك نسوي من أجل حلٍ سياسي للأزمة اليمنية
تقرير | عبدالسلام المساجدي.
لم يعد محل شك فشل الحل العسكري واخفاقات الأمم المتحدة في حسم الصراع في اليمن، الذي يشهد صراعًا محتدمًا منذ نحو 6 سنوات، أفضت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني، إلى جانب انتشار الأوبئة، وتزايد اعداد النازحين بصورة غير مسبوقة.
وإزاء الإخفاقات المتواصلة في اجتراح حل ينهي الحرب في البلاد، انبرت المرأة اليمنية إلى أخذ زمام المبادرة من خلال “مجموعة التسعة” التي بادرت إلى تحريك مساعي السلام الراكدة وكسر الجمود الاممي، في وضع حدٍ لمخاضة الدم في البلاد.
وسيطات السلام
كانت البداية الموحدة لهذا الحراك النسوي، عبر مؤتمر “وسيطات السلام” الذي عقد بداية مارس من العام الفائت بالعاصمة الأردنية عمان بمشاركة أكثر من 100 امرأة وناشطة يمنية من مختلف المكونات السياسية في اليمن لمناقشة ملف الأزمة اليمنية وبحث فرص إحلال السلام في البلاد من خلال الضغط على أطراف النزاع لتقديم تنازلات والجلوس على طاولة الحوار بهدف خلق صيغة توافقيه لحل سياسي طويل الأمد، وبناء كيان دولة مدنية عادلة تضمن المواطنة المتساوية لجميع اليمنيين.
لكن في مقابل ذلك، تعرض المؤتمر لحرب إعلامية شرسة وحملة انتقادات واسعة طالت المشاركات فيه من قبل أطراف النزاع الذين تقوم مصالحهم على استمرار الحرب وإدامة الصراع لاسيما بعد أن رأوا في المؤتمر تهديدًا لمصالحهم القائمة على الاستثمار في استمرار الصراع على حساب دماء اليمنيين.
ورغم الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الناشطات والحقوقيات اليمنيات إبان انعقاد المؤتمر إلا أن ذلك لم يحملهن على الاستسلام، بل على مواصلة الكفاح من أجل ترسيخ السلام ووضع حدٍ للحرب في اليمن.
في السياق، تقول الناشطة اليمنية فاطمة مشهور عضو مجموعة التسعة النسوية : “إن تضارب مصالح أطراف الصراع الداخلية إلى جانب أسباب أخرى من بينها وجود أجندة وحسابات للدول الكبرى، كانت السبب المباشر في استمرار الحرب في اليمن وعدم التوصل إلى حل سياسي لإحلال السلام في البلاد”.
وتعزو “مشهور” سبب فشل المفاوضات السابقة بين طرفي الصراع في اليمن إلى “تشبث كل طرف بموقفه ورفض تقدم تنازلات للتوصل إلى حلول ومعالجات حقيقية تفضي إلى إيجاد تسوية سياسية شاملة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن ولهذا يصبح المواطن هو الضحية الأولى والمتضرر الوحيد من هذه الحرب العبثية”، حد قولها.
ووفقا للناشطة اليمنية فإن “أطراف الصراع الداخلية لا تمتلك قرار وقف الحرب في اليمن كما تدرك انها واقعة في مأزق حقيقي لا تستطيع الفكاك منه وأنها كلما حاولت التقدم خطوة بدأت الدول ذات المصالح الكبرى تضيق عليها الخناق وتستمر في فرض وصاية عليها، لا سيما أن هناك تقارير أممية تفيد أن التحالف أضعف السيادة اليمنية وأضعف الدولة اليمنية وأضعف القرار اليمني”.
وتستطرد: “خلال سنوات الحرب الماضية لاحظنا أن تدخلات المجتمع الدولي في الأزمة اليمنية اقتصرت على دور الوسيط لوقف إطلاق النار وليس إنهاء الحرب وتركزت أدواره على تجزئة الأزمة اليمنية إلى ملفات متعددة كملف الحديدة وملف الاسرى، وملف المرتبات وو.. الخ، بدلا من مناقشتها كملف واحد في الوقت الذي كان ينتظر منه دور أكبر بتحريك أدواته أو آلياته الفعالة واستخدام صلاحيته الكاملة لاستجواب والضغط على أطراف الصراع من أجل إيقاف الحرب بصورة دائمة ومعالجة قضايا البلاد بشكل كامل، لأن أنصاف الحلول غالباً ما تأتي بنتائج إيجابية ولكنها قد تمهد لصراعات قادمة”.
حرب بالوكالة
من جانبها ترى الناشطة كوكب الذبياني أن “الاخفاقات المتكررة لطرفي الصراع في اليمن في التوصل لحل سياسي لإنهاء الحرب في البلاد لا يعني انها قادرة على ذلك إنما فقط لم تستطيع بسبب تعقيدات الازمة، بل لأنها غير قادرة أساسًا على إيقافها لأن الحرب في اليمن ليست يمنية يمنية وإنما حرب بالوكالة فرضتها أجندات ومصالح دولية، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، من خلال تدخلها السلبي في دعم الجماعات المسلحة والحركات السياسية بالوكالة لكن الخاسر فيها هي الدولة اليمنية”.
وتعتقد الناشطة الذبياني أنه “رغم العداء الظاهر بين السعودية وميلشياتها وإيران وميلشياتها إلا أن هناك إجماع بين الجميع على تقويض مشروع الدولة اليمنية لافتة إلى أن هناك تفاهمات دولية إقليمه على تعقيد الأزمة اليمنية من خلال تأجيج الصراع بين طرفي النزاع في البلاد حتى يصعب حلها او حلحلتها وبالتالي تضمن استمرار الحرب في اليمن”.
وتضيف بالقول :” لو ترك الأمر لليمنيين دون تدخلات خارجية رغم تعقيدات المشهد السياسي لاستطاعوا الخروج بحل سياسي يقضي بإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد .
مسؤولية الجميع
الناشطة اليمنية غادة العودي، رئيسة منصة “شباب وعي” بمحافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن) ترى أن كل هذه الاطراف دون استثناء “تتحمل مسؤولية المجتمع الدولي الذي يغذي هذا الصراع ويستنزف القدرات المالية والبشرية والاقتصادية الذي لا هم له سوى تثبيت وإرساء مصالحه ومصالح شعوبه على حساب حقوق الشعوب الضعيفة دون وضع أدنى اهتمام لحق هذه الشعوب في العيش بكرامة وحرية واستقرار”.
وزادت بالقول: “رغم الهجمة الإعلامية الشرسة التي تعرض لها “مؤتمر وسيطات السلام” إلا أنه حقق مكاسب كبيرة ونوعية للمرأة اليمنية، وأوجد تقبل نوعي لمشاركة النساء في العملية السياسية باليمن” مشيرة إلى أن عملية إحلال السلام طويلة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة بالسعي المستمر من أجل سلام مستدام، ومؤكدة أن مجموعة التسعة النسوية ستظل في نضال مستمر حتى إحلال السلام في البلاد.
التوصيات :
ترى مجموعة التسعة النسوية أنه من أجل تنفيذ وقف إطلاق النار العالمي على الأرض يجب أن يكون هناك التزام من جميع الأطراف بما في ذلك الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لدعم عملية السلام في اليمن أيضًا يجب أن يكون هناك المزيد من العمل نحو المساءلة ومراقبة السلام لضمان المزيد من الالتزام في المستقبل وفيما يلي توصياتنا:
أولاً : توصيات عامة
– إعطاء الأولوية لحماية النساء والنساء من بناة السلام ودعم جميع أنشطة السلام في اليمن وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1325.
– يجب أن تعمل جميع الأحزاب معًا لإحياء المفاوضات السياسية ويجب إشراك النساء بنسبة تمثيل لا تقل عن 30 في المائة.
– إنشاء مجموعة مراقبة السلام لتقييم التقدم المحرز في جهود السلام وكشف أي انتهاكات من قبل جميع أطراف النزاع.
– إشراك أصحاب المصلحة في السلام مثل النساء والشباب.
– يجب أن يركز السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة بشكل أكبر على الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية في الصراع وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران. يجب تحديدها بوضوح كجزء من النزاع اليمني بما في ذلك الدول التي تبيع الأسلحة لأطراف النزاع.
– استمرار إجراءات بناء الثقة التي أطلقها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.
– يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ضمان تقليل التدخل الدولي والإقليمي في اليمن من أجل نجاح مفاوضات السلام المحلية.
– يجب على المجتمع الدولي حماية وتمكين المجتمع المدني وإدراج ذلك كأحد بنود مفاوضات السلام.
ثانياً : توصيات خاصة .
1- أطراف الصراع:
-الاستجابة للمبادرات والنداءات التي أطلقها المبعوث الأممي إلى اليمن لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات.
– الاستفادة من النجاح الكبير الذي تحقق في ملف تبادل الأسرى واستكمال بقية الملفات على نفس الآلية .
– التحلي بالروح الوطنية واستشعار المسؤولية الملقاه على عاتقهم وتقديم مزيدا من التنازلات.
– على أطراف الصراع أن تدرك أن المجتمع الدولي لن يكون احرص منهم على إنهاء الحرب مالم تبدأ تلك المبادرات من هم لإيقاف الحرب وإنهاء النزاع وإيصال البلاد إلى بر الأمان.
– الاستفادة من الحلول والمعالجات التي تقدمها الأمم المتحدة وعلى رأسها وثيقة الإعلان المشترك .
– استئناف العملية السياسية وفتح مطار صنعاء الدولي ومعالجة ملف الأسرى والمعتقلين والمحتجزين قسريا والمفقودين وكذا ملف الرواتب والموانئ وغيرها من الملفات العالقة.
2- دول التحالف:
– يجب أن تدرك أن استمرار الحرب في اليمن هو استمرار لاستنزاف قدراتها واقتصادها .
– يجب على دول التحالف أن تدرك أن حربها في اليمن ليس فيها مهزوم ومنتصر لأن الخاسر الاكبر هو الشعب اليمني .
– يجب على دول التحالف أن تدرك أن الحرب ومهما طالت فإن طريق السلام هو الحل .
– يجب على دول التحالف أن تدرك جيدا أن الحل السياسي الشامل الذي يقود إلى سلام مستدام وهو مطلب اليمنيين جميعا ومطلب شعوب دول المنطقة بما فيها الدول المشاركة في حربها على اليمن.
3- الأمم المتحدة والمجتمع الدولي:
– يجب عليها الإسراع في اتخاذ كل ما من شأنه لإيقاف الحرب وإنهاء النزاعات وبصورة عاجلة.
– يجب عليها تكثيف لقاءاتها ومشاوراتها السياسية مع كافة أطراف النزاع الداخلية والخارجية.
– يجيب على المجتمع الدولي أن يكون لديه نوايا واضحة وصادقة لإيقاف الحرب وإنهاء النزاع ولا شيء غير ذلك.
– يجب على المجتمع الدولي أن يتقاسم المسؤولية مع الأمم المتحدة ويدعم كل الجهود والمبادرات الأممية التي يتقدم بها المبعوث الأممي وكذا المبادرات الوطنية التي تقدمها منظمات المجتمع المدني لإيقاف نزيف الدم اليمني ووضع حدة لهذه المعاناة .
– يجب على المجتمع الدولي أن يدرك جيدا أن استمرار الحرب في اليمن سيمكن الجماعات الإرهابية من تنفيذ عمليات إرهابية خارج حدودها وربما قد تطال بلدان هذه الدول لان الإرهاب لا حدود له وأن استقرار هذه الدول لن يأتي إلا بتعزيز استقرار دول وشعوب المنطقة
4 – منظمات المجتمع المدني:
– يجب على منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية والمدنية أن تلعب دورها بالمطالبة والضغط على كل الأطراف المتصارعة لإيقاف الحرب .