تجار الحروب في اليمن … لاجئون بثراء فاحش ومنفيون على حافة الترف ( تقرير )
سبأ بوست | تقرير | عبدالسلام احمد.
بالتوازي مع حالة الجمود التي طرأت على الأزمة اليمنية بفعل الهدنة التي أدخلت البلاد في نفق مظلم وفي حالة من اللا سلم واللا حرب ألقت بظلالها المأساوية على كافة مناحي الحياة وحولت حياة اليمنيين إلى جحيم ومعاناة وتسببت بأسواء أزمة إنسانية في العالم في هذا البلد المنكوب.. سارع العشرات من القيادات العسكرية في الشرعية إلى خلع بزّاتهم العسكرية واتجهوا نحو تأسيس شركات تجارية وصناعية واستثمارية في عدد من الدول العربية والأجنبية، من بينها مصر وتركيا والأردن وماليزيا والسودان وصولاً إلى الصين وأثيوبيا وعلى المنوال نفسه، مضت قيادات سياسية وحزبية في استغلال الحرب لرفع أرصدتها في البنوك الخارجية وتأمين مستقبلها بعد الحرب بشراء عقارات ضخمة والاستثمار في عدة دول.
في غضون ذلك استغل تجار الحروب ومستثمروها الحرب الدائرة والوضع القاتم ووصول البلاد إلى طريق مسدود في ظل الانقسام المالي والاقتصادي بين صنعاء وعدن، وتكاثر شركات الصرافة في السوق اليمني وسيطرتها على تريليون ونصف تريليون يمني بسبب قرار نقل البنك المركزي الصادر أواخر سبتمبر 2016، من أجل تمريرعملياتهم في غسل الأموال وتهريب مليارات الدولارات من الأموال اليمنية المنهوبة إلى خارج البلاد مما أدى إلى ارتفع النشاط التجاري والاستثماري لأثرياء الحرب من اليمنيين الموالين للتحالف في عهد الرئيس عبدربه منصورهادي الذي مثلت فترة حكمه بيئة خصبة للفساد ونهب الثروات وحاضنة لاستثمارات غير المشروعة وهذا الأمر قوبل بسخط من قِبَل الشعب اليمني على اعتبار أن تلك الاستثمارات كانت تتمّ برؤوس أموال يمنية تم نهبها من عائدات النفط والغاز.
وفي هذا الإطار، قدّرت مصادر اقتصادية مطلعة، «تكلفة خروج رؤوس الأموال الخاصة، والأموال المغسولة التي حصل عليها تجار الحروب في اليمن بطرق غير مشروعة وجرى تبييضها وتهريبها عبر وكلاء للصرافين وبعمليات معقدة إلى ثمان دول بحثاً عن فرص استثمارية آمنة ومجزية خلال السنوات السبع الماضية، بنحو 57 مليار دولار». ولم تستبعد المصادر وقوف كافة الأطراف السياسبة في اليمن وراء دعم عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، مشددة على أن القضاء على هذه الظاهرة سيتمّ في حال تحقيق السلام في البلاد وتفعيل البنك المركزي لأدواته الرقابية والإشرافية كافه.
وبحسب بيانات حجم الاستثمارات اليمنية في تركيا فقد نجحت الأخيرة في اجتذاب مليارات الدولارات من الأموال اليمنية التي خرجت من اليمن خلال سنوات الحرب الماضية، كما أوضحت الإحصائيات الرسمية المقدمة من إدارة الهجرة التركية للسفارة اليمنية في أنقرة ، أن عدد اليمنيين المتواجدين في تركيا حتى عام 2022 بلغ أكثر من 30 ألف يمني ، 22 الفًا منهم تم منحهم الجنسية التركيه ويتواجدون في عدة مدن تركيه وفقاً لبيانات تملك اليمنيين للعقارات في عديد من المدن التركية .
سيناريو كارثي.
على ضوء ذلك كشف تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ، البريطانية أن أكثر من 300 رجل أعمال ومستثمر يمني، غادروا البلاد منذ إعلان عاصفة الحزم في العام 2015 متوجهين إلى تركيا ، في سيناريو كارثي وغير متوقع كان له أثر سلباً على الاقتصاد اليمني وألحق ضرارا بالغًا بالعملة المحلية وفقاً لخبراء اقتصاديين .. مشيرا إلى أن هذا التجمع الكبير من المستثمرين اليمنيين في الأراضي التركية نتج عنه تشكيل تكتل تجاري تحت مسمى(اتحاد التجار اليمنيين) في تركيا والذي يجتمع بشكل دوري ويعمل على عدة أصعدة مهمه منها تشجيع المستثمرين اليمنيين الذين قدموا من السعودية على دخول الأموال معهم في مجالات الصناعة الإلكترونية وصناعة العطور وكذلك إنتاج اللحوم إلى السلع العالمية .
أستثمارات يمنيه في تركيا.
وكالة “بلومبيرغ ” نقلت عن مصادر تركية يمنية مطلعه قولها إن حجم استثمارات اليمنيين في تركيا بلغت أكثر من 9 مليار دولار حتى بداية عام 2022 في حين وصل عدد الشركات اليمنية في الأراضي التركيه إلى 519 شركة في عام 2021م. مقارنة بعدد 64 شركة في العام 2015م حيث أنشأ اليمنيون 164 شركة استثمارية ذات رأس مال يمني على الأراضي التركية في آخر عشرة أشهر من العام الجاري 2022م. ليصبح بذلك إجمالي عدد الشركات اليمنية في تركيا 683 شركه كبيره ومتوسطه” برأس مال يمني يقدر بـنحو 14 مليار ونصف المليار دولار.
وأوضح التقرير أن المستثمرين اليمنيين في تركيا ينشطون بشكل كبير في مجالات شراء العقارات والإسكان ، والاستثمار في الثروة الحيوانية وصناعة الحديد الصلب والألمنيوم، ومن ثم مجال الاستيراد والتصدير إلى أوروبا ودول الخليج ، بالإضافة إلى الاستثمار في مجال المطاعم والمقاهي ومكاتب السياحة والتسويق للمنتجات التركية واستقدام المستثمرين اليمنيين من اليمن ودول أخرى إلى تركيا إلى جانب الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمحلات التجارية وهو الخيار الأقل .
أرقام وإحصائيات.
وأفادت مؤسسة الإحصاء التركية أن عدد اليمنيين الممتلكين للعقارات في تركيا ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية ، حيث احتل حملة الجنسية اليمنية المرتبة الثامنة ضمن قائمة أكثر الجنسيات الأجنبية الذين يمتلكون العقارات في تركيا مشيرة إلى أن عدد العقارات التي اشتراها اليمنيون خلال السنوات السبع الماضية أرتفع من 231 عقارا في عام 2015 إلى 7118 عقارا حتى نوفمبر 2022م. بنسبة تفوق 700% وبقيمة إجمالية تتعدى المليارين دولار، منها شقق سكنية وفلل وفنادق متوزعة في إسطنبول ومدينة أنطاليا وبورصا وأنقرة، مع العلم أن تلك النسبة لاتزال في ازدياد مستمر يوماً بعد يوم .
وأظهرت بيانات من معهد الإحصاء التركي أن عدد المساكن والعقارات المباعة لليمنيين خلال العشرة الأشهر الأول من العام 2022م. بلغت 1650عقارا بزيادة 318 عقار مقارنة بنفس الفترة من العام 2021. في حين ارتفعت أعداد المنازل التي اشتراها الأجانب في تركيا بنسبة 98 % فقط. وبحسب أرقام وإحصائيات عام 2022 ، فإن من بين كل خمسة يمنيين متواجدين في الأراضي التركية يشتري أربعة منهم عقارا جديدا في تركيا كل يوم. وفق إحصائيات المعهد.
الجنسية مقابل العقار
وقال مدير معهد الإحصاء التركي إن اليمنيين المتواجدين في تركيا حصلوا على الإقامة العقارية في تركياً ، بعد شرائهم منازل لا تقل قيمتها عن 100 ألف دولار وفقاً للقانون التركي ، في حين حصل 72% منهم على الجنسية التركية بعد أن تجاوزت استثماراتهم ومشترياتهم العقارية في تركيا ما بين 250 ألف دولار، و500 ألف دولار .. ولذات السبب اشترى اليمنيون 231 عقارا في العام 2015 و 192 عقارا في 2016 ، و390 عقارا في 2017 ، و 851 في 2018 و 1564 في 2019. و 1181 عقارا في 2020 و 1332 عقاراً في 2021 وفي .2022. من المتوقع أن تصل عدد العقارات التي اشتراها اليمنيون في هذا العام إلى نحو 2000 منزل تقريبا.
في السياق توقع محمد أوركان بارمان رئيس مجلس الأعمال التركي اليمني أن تصل قيمة استثمارات اليمنيين في تركيا خلال العام 2023م. إلى 17 مليار دولار سواءً كان الاستثمار في مجال العقارات وشراء المنازل من أجل الحصول على الجنسية التركية،أوبالاستثمارات في المجالات الأخرى كما توقع ارتفاع عدد الشركات الاستثمارية اليمنية ذات الرأس المال اليمني على الأراضي التركية إلى 800 شركة استثماريه حسب تقديرات بارمان.
مفارقات
وكشفت مؤسسة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني، عن النشاطات المالية والمصرفية أن المستثمرين اليمنيين في تركيا ساهموا بشكل كبير وفعال في دعم الاقتصاد التركي حيث مثلت رؤوس أموالهم التي نهبوها من ثروات اليمن طوق نجاة لليرة التركية في ظل الانهيار التاريخي للريال اليمني في حين أكدت مصادر مطلعة في وزارة المالية والبنك المركزي التركي، أن عشرات الشركات اليمنية والمستثمرين اليمنيين في تركيا استثمروا في أذون الخزانة الحكومية التركية بقيمة 10 مليار و 640 مليون دولار بعد أن نجح المركزي التركي في إغرائهم برفع سعر الفائدة على الأذون، لتمويل الموازنة وتغطية العجز، والحفاظ على استقرار قيمة الليره التركية في الأسواق، يأتي ذلك في وقت ما يكون فيه البنك المركزي اليمني بأمس الحاجة لوديعة دولارية بقيمة مليار دولار فقط لدعم الاقتصاد اليمني المنهار وإنقاذ العملة المحلية من شبح الانهيار، تفاديا لوقوع كارثة إقتصادية على الأبواب وموجة غلاء فاحش ومجاعة شديدة ستطال جميع اليمنيين في الشمال والجنوب.
مصر الأوفر حضًا.
وعلى عكس تركيا ، فتحت مصر أبوابها لاستثمارات اليمنيين، التي تشير التقديرات الأولية إلى أنها تجاوزت 16 مليار دولار خلال سنوات الحرب الماضية وبحسب المعلومات، فإن نحو مليون مواطن يمني وصلوا القاهرة منذ منتصف 2015 حتى أكتوبر 2022، استثمروا بـأكثر من 17 مليار ونصف المليار دولار في قطاعات عديدة، أبرزها العقارات والتعليم. ويُعد ذلك ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بعددهم قبل اندلاع الحرب إذ كان يبلغ تعدادهم حوالي 70 ألف فقط.
ووفق مصادر اقتصادية يمنية في القاهرة، فإن إقبال اليمنيين على شراء الشقق في العاصمة المصرية خلال السنوات السبع الماضية تجاوز 200 ألف شقة، لا يقلّ ثمن الواحدة منها عن 25 ألف دولار، إضافة إلى شراء الآلاف من الفلل الفارهة في عدد من المدن المصرية من قِبَل مسؤولين يمنيين الحكومة الشرعية الموالية لـ«التحالف». بمبلغ يفوق الـ 5 مليار دولار مؤكدة في الوقت ذاته أن تجاراً يمنيين موالين للتحالف وآخرين مستقلين أسّسوا في مصر أكثر من 376 شركة تجارية وخدمية، وافتتحوا العشرات من المؤسسات الخدمية كالمطاعم الضخمة والفنادق، فضلاً عن مصانع إنتاجية للصناعات الخفيفة والمشروبات والصناعات البلاستيكية والملابس الجاهزة، مُقدِّرةً حجم استثمار قيادات سياسية وعسكرية وتجار يمنيين في الأراضي المصرية بنحو 12 مليار دولار.
استثمارات اليمنيين النازحين من ويلات الحرب واللاجئون في مختلف بلدان العالم بفعل تداعيات الصراع لم تقتصر على مصر وتركيا فقط بل امتدّت أيضاً إلى دولا أخرى كالأردن وجيبوتي والسودان التي دخلتها مئات الملايين من الدولارات اليمنية على أيدي قيادات عسكرية في قوات الشرعية ، وصولا إلى ماليزيا والصين التي توجّهت إليها أموال الأحزاب الدينية الموالية للتحالف خشية تعرّضها للحجز من قِبَل وزارة الخزانة الأميركية.
في الأثناء كشف تقرير للجنة العقوبات الدولية الخاصة باليمن تفاصيل مثيرة بشأن عمليات غسيل الأموال في البلاد خلال السبع السنوات الماضية حيث علم فريق التحقيقات المختص بالشبكات المالية المتعلقة بأشخاص محددين أن قيادات يمنية عسكرية وسياسية في الشرعيه تلعب دورا بارزا في غسيل الأموال وتهريب مليارات الدولارات من الأموال اليمنية المنهوبة إلى خارج البلاد.، كما رصد فريق التحقيقات تحويلات مالية مشبوهة لقيادات ومسؤولين بارزين في الشرعية بنحو 57 مليار دولار خلال الفترة الممتدة ما بين إبريل 2015 حتى نوفمبر 2022 عبر عشرات الشركات والمصارف في ثمان دول خارج ممارسات إدارة الصناديق العادية من ذوي رؤوس الأموال الضخمة والثروات الكبرى .
مراقبون قالوا إن الحرب على اليمن مثلت ثُقبًا أسودًا ابتلع الكثير من أموال الشعب اليمني رغم إيرادات صادرات النفط والغاز التي وتدفق المساعدات الخارجية، التي لم ولن تتوقف طيلة الثمانية أعوام الماضية من عمر الحرب الدائرة والصراع القائم مشيرين بالقول :” مثلما كانت الحرب على اليمن سبباً في مزيد من الفقر والجوع والموت، فهي مثّلت أيضا فرصة العمر بالنسبة إلى قيادات بارزة في الأحزاب المؤيدة للتحالف والمسؤولين في حكومة الشرعية المعترف بها دوليا بعد أن استغلوا ظروف الحرب والأوضاع التي تمر بها اليمن في جمع أموال ضخمة وتكديس ثروات طائلة من خيرات اليمن وأموال اليمنيين.